تعتبر
الأسرة البيئة الأساسية التي يمارس فيها الفرد حياته، وتشكّل شخصيّته
الوجدانية والعلمية، ويستمد منها ملامح شخصيته في المستقبل، من هذا المنطلق تأتي
أهمية دور الأسرة في اكتشاف موهبة الطفل وضرورة توفير وسائل الرعاية اللازمة له
لتنمية قدراته وإمكاناته، وتهيئة جو إبداعي وحياة متوازنة بين العقل والجسد
لاكتمال الموهبة بداخله وتوظيفها لخدمة البشرية، خاصة إذا علمنا أن الموهوب شخص
يحتاج إلى رعاية خاصة تكفلها الأسرة والمدرسة ،حتى يتمكن من تفجير طاقاته والوصول
لمرحلة الإنجاز والتميز.
وللأسف نجد كثير من الأسر تفتقر للخبرة في التعامل مع الموهوب بسبب قلة التدريب وندرة الهيئات المتخصصة في التربية، والتي تساعد أولياء الأمور على استيعاب موهبة الطفل والقدرة على احتوائه وحسن التصرف تجاه أسئلته غير العادية، كذلك العمل في مساعدته على تخفيف القلق الذي يعد السمة الغالبة عند الطفل الموهوب، نتيجة صعوبة التكيف الاجتماعي في الأسرة والمدرسة، وهذا يتطلب جهداً متواصلاً من طرف الأسرة، لتتمكن من متابعة الحالة النفسية والاجتماعية للطفل الموهوب.
حيث تقع على عاتق أسرة الموهوب مسؤولية مهمة في تفجير موهبة الطفل وتطويرها، وفي نفس الوقت يمكن أن تسهم الأسرة في إعاقة موهبته وقتلها قبل أن ترى النور، ومن الحقائق العلمية المتداولة أن التربية المبكرة للطفل خلال السنوات الأولى من عمره، تترك بصمات على شخصيته و أنماط سلوكه، وهذا ما يجعل علماء النفس وخبراء التربية يولون الرعاية الأسرية أهمية خاصة في استثمار الموهبة لدى الطفل .
وينبغي على الآباء عدم حرمان الموهوب من طفولته، ومنحه الفرصة كي يعيش مثل غيره من الأطفال العاديين، فهو بحاجة إلى تلبية بعض الاحتياجات الضرورية له، كاللعب والمرح واللهو مع أقرانه، لأنه لا يمكن للأسرة أن تتجاهل الاحتياجات العاطفية والاجتماعية والجسدية للطفل الموهوب، حتى لو كان مستوى تفكيره يسبق أقرانه بأعوام. ومن المهم كذلك مراقبة الموهوب بشكل دقيق دون إشعاره بذلك، ومن ثمّ تقوم أسرته بتقييمه بطريقة موضوعية، وغير متحيزة، مع الحرص على تلمس مواطن الإبداع لديه وتحفيزها والإلمام بها، والابتعاد عن المبالغة في تقدير الموهبة لدى الطفل، بدافع التباهي والتفاخر، ما يوقع الطفل في متاعب جمة، بسبب إلحاح الآباء على ضرورة الحصول على مستويات عالية للتحصيل الدراسي، ونظراً لمعاناة البعض من الموهوبين من تدني تحصيلهم العلمي، فقد يقعون فريسة للإحباط والشعور بالذنب أمام رغبة الأهل في حصول أطفالهم الموهوبين على درجات عالية في المدرسة .
ولاشك
أنّ دور الأسرة سلاح ذو حدين، فمن جهة يمكن للأسرة التي تبالغ في الاهتمام
بأطفالها الموهوبين وتحرص على الضغط عليهم للتفوق في المدرسة، وبتر موهبتهم
بسبب الجهل، وقلة الخبرة في التعامل مع الموهوب، وبالمقابل فإن الإهمال وعدم
المتابعة الدقيقة للموهوب من قبل الأسرة، وعدم مساعدته على تخطي بعض المشاكل
التي تعيق تطور إبداعاته وتؤدي إلى توقف عملية التطور السريع للموهبة
لديه، بينما أكدت الكثير من الدراسات المتخصصة على ضرورة التعامل مع
الموهوب، بشمولية تركز على القدرة العقلية والمواهب الابتكارية والإبداعية،
والسماح له بالاستمتاع بطفولته كغيره من الأطفالِ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق